قصص (Stories)


طريق الحرّيّة الغريبة

الأن نظرتي فى قبضة النقطة وما أدري أهذه تتسبّب لقصّة او لخسارة الدقائق والساعات وهذه المرّة أحاطت هذه النقطة بنتا صغيرة لا تقدر للنطق عن ايجابياتها وسلبياتها.
كانت فى عمرها الرابعة وهي تختلس خطواتها مع ابيها الى غرفة الاستقبال لمشاهدة التلفزيون وابوها قد وضع امامها اوقات معيّنة للمشاهدة ....وذلك عندما يزدحم المطبخ وساعات تكون الأمّ فى الحمّام تتورّش وتغسل الأثواب لانها كانت مانعة وعائقة كبرى أمامهما لمشاهدة التلفزيون.
وما زالت البنت مع أبيها على هذا الطريق من عدّة أيّام بل أشهر ولا يمكن لهما ان يتخلّيا عن بعض المسلسلات من الهزل والمزاح وبعض قنوات الأفلام...وهذه البنت الصغيرة من صغرها مع عضادة أبيها تتنزّه بأعمال الأمّ المستمرّة وبتعباتها الطويلة وهي لا تزال تحبّ ان تكون الامّ كذلك يوم نهار..
     
والأمّ_ شيئ متواضع _ لا تلحّ بنتها بمساعدتها بصغرها لأن تكون فى حريّة كاملة بدون إتعاب جسدها والامّ المسكينة تجهل عن حرّيّة بنتها الحقيقيّة تكون في غيبتها وعدمها ....
اليوم صارت الامّ مدمنة لمرض كبير وهي على سريرها فى الغرفة الملصقة لغرفة الاستقبال وعينها الواحدة مرسلة دائمة الى غرفة تلفزيون والبنت وأبوها يجاوزان ايّامهما كما فات لهما عضوا مهمّا من بدنهما بل كما خلا المخّ من جماجمهما وكل يوم يتثقل عليهما كحمل جبل وكل ساعة كنقل صخرة عظيمة وكم يتمنّيان لاستراحة الامّ بنوم عميق.....
ولا تزال تتساقط اوراق الحياة من فروعها.....
وفى الساعة الثانية ليلة البارحة تكاسل الموت ان يدخل الى ذلك البيت الشامخ وانه قد اطلّ صباح اليوم أيضا...ولكن ما منعه تلك الاقفال الضخمة فى الابواب ولا خشبات ابواب الساج ولا حديدات الشبابيك والموت يدخل ولو كانوا فى بروج مشيّدة.
جرست الساعة الثالثة ...والامّ بعد ما اثلجت قلبها بصلاة الظهر ورواتبها تقلّب حبّات السبحة التي فى يدها راقدة على سريرها....نعم الآن تلفظ نفساتها الاخيرة وخلال لحظات قليلة تكتظّ الطرق والشوارع بالافواج والزوّار ...والأقارب تغسلها وتزيّنها الى عذرائها الأخيرة..
          
وهذه المرّة كلّ يرحّب المسجد وكلّ يعتكف فيه وان كانت لحظات او دقائق كانوا مصلّين ام تاركين، كانوا تائبين ام مستمرّين على الذنوب...وكل يرتدي ملابسا بيضاء سواء لابسيها ام مدمنين لقذرات طرازات اليوم ...وكل يشمّ تراب الأرض لا فرق بين فلاّحيهم وملايينهم ....
والأمّ ترحل فى نعشها  والجوّ يمتلأ بالتهليلات.... ويسمعون مرّة ثانية كلمات البنت لابيها :"ابوي ماما راحت ...نشاهد التلفزيون ....ينقطع الكهرباء بعد نصف ساعة" دهش الأب وتتلى تلك الكلمات الى مسموعاته كأسهم حادّة تغلى مخّه وتجمّد سريان دمائه ...فتكرّر البنت نفس الكلمات أيضا"بابا نشاهد تلفزيون...ماما راحت...."

0 comments:

Post a Comment